"أنا للجنة أحيا يا إلهي، في سبيل الحق فاقبضني شهيدا، وأجعل الأشلاء مني معبراً للعز الجديد"، بهذه الكلمات عبر الدكتور المفكر إبراهيم المقادمة عن عشقه لدخول جنة الرحمن، راجياً من الله عز وجل أن يقبضه شهيداً في سبيل نصرة الحق، وهو ما كان صباح السبت الثامن من مارس عام 2003م.
"رجل قوي الشكيمة، صلب المراس، قوي التأثير، عملاق في الفكر والوعي والقيادة، والصبر على الشدائد، والثبات على المحن" هكذا رآه الصديق، أما العدو فرآه "سلاحاً نووياً أيديولوجياً طوّر وبادر إلى بناء الأجهزة السياسية والعسكرية لحركة حماس".
صبيحة الثامن من مارس عام 2003م، قصفت أربع طائرات عسكرية صهيونية سيارة مدنية كانت تقل الدكتور المقادمة بعدد من الصواريخ؛ مما أدى إلى استشهاده وثلاثة من مرافقيه إضافة إلى أحد المارة.
من هو الطبيب الثائر
ولد الشهيد القائد إبراهيم المقادمة في عام 1952م، لأسرة فلسطينية هجرت من بلدة بيت دراس من قضاء المجدل عسقلان.
هاجرت عائلته عام 1948 م مع آلاف الأسر الفلسطينية، وبعد عامين ولد إبراهيم الذي انتقل للسكن في مخيم جباليا للاجئين قم انتقلت عائلته لمخيم البريج وسط قطاع غزة.
عاش المقادمة في مخيم جباليا ودرس في مدارس وكالة الغوث هناك، وحصل على الثانوية العامة بدرجة امتياز، ثم انتقل إلى مصر لمواصلة دراسته الجامعية، حيث التحق بكلية طب الأسنان، وتخرج طبيباً للأسنان.
ثم عمل في مستشفى الشفاء بغزة ومن ثم أصبح أخصائي أشعة، ثم فصل من وزارة الصحة بعد أن اعتقلته أجهزة السلطة بتهمة الحصول على أسلحة، حيث انتقل بعدها إلى العمل في مستشفى الجامعة الإسلامية في غزة.
مسيرة الدعوة والمقاومة
انضم المقادمة إلى حركة الإخوان المسلمين في شبابه أثناء الدراسة الجامعية، إلى أن أصبح من المقربين لمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وأحد قادة الحركة.
شكل المقادمة أهم أعمدة الجهاز العسكري للحركة وأمد مقاتلي الحركة بالأسلحة، لكنه اعتقل عام 1984 للمرة الأولى بتهمة إنشاء جاهز عسكري للإخوان المسلمين في قطاع غزة وحكم عليه بالسجن ثمان سنوات.
وفي عام 1996 اعتقلته أجهزة السلطة، بتهمة تأسيس جهاز عسكري سري لحركة حماس في غزة، وتعرض خلال الاعتقال لشتى أنواع التعذيب من قبل أجهزة السلطة البائدة.
في سنوات حياته نشط المقادمة في المجال الدعوي والفكري، وألف العديد الكتب أبرزها (معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين، والصراع السكاني في فلسطين) وكان الدكتور المقادمة من أكثر الشخصيات القيادية أخذاً بالاحتياطات الأمنية في التمويه والتنكر ومن أقلهم في الظهور الإعلامي.
المُفكر ومواصلة الطريق
ترك د. إبراهيم المقادمة إرثاً فكرياً وثقافياً كبيراً قبل أن يغتاله الاحتلال، حيث ألّف العديد من الكتب والدراسات خلال مكوثه داخل السجن وخارجه، كان من أبرزها كتاب "معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين"، و"الصراع السكاني في فلسطين"، كما كانت له عدة دراسات في المجال الأمني.
كان المقادمة من أكثر الشخصيات القيادية في حركة حماس أخذاً بالاحتياطيات الأمنية، قليل الظهور أمام وسائل الإعلام، استخدم أساليب مختلفة في التنكر والتمويه عبر تغيير الملابس والسيارات التي كان يستقلها، وكذلك تغيير الطرق التي كان يسلكها، حتى عُرف عنه بأنه كان يستبدل السيارة في الرحلة الواحدة أكثر من مرة.
اعتقدت دولة الاحتلال أنها باغتيال المقادمة قد وجهت ضربة قاصمة لحركة حماس وللعمل العسكري المقاوم، إلا أن دماء المقادمة وفكره وتضحيته غدت سراجاً تنير طريق الجهاد والمقاومة.
وتواصلت مسيرة المقاومة التي واكبتها القسام بالوفاء للمقادمة، حين أعلنت عن صاروخ "m75" محلي الصنع، نسبة إلى الدكتور إبراهيم المقادمة، لينضم إلى سلسلة الصواريخ القسامية التي ضربت عمق الاحتلال، وجعلت الطريق إلى التحرير أقصر وللنصر أقرب.
اغتياله
وفي صباح يوم السبت الثامن من مارس عام 2003 اغتالت قوات الاحتلال الدكتور المقادمة بإطلاق عدة صواريخ باتجاه سيارته التي كانت تسير في شارع اللبابيدي بالقرب من مقبرة الشيخ الرضوان بغزة ما أدى إلى استشهاده وثلاثة من مرافقيه.
المعلقون الصهاينة أجمعوا على أن الدور الكبير للشهيد القائد إبراهيم المقادمة ليس فقط في تأثيره القوي في نفوس حركة حماس والشعب الفلسطيني، بل لكونه أبرز مفكري الشعب الفلسطيني الذين نظروا لخيار المقاومة كخيار أخير وحيد واجب التعامل به مع الاحتلال ودافع عن هذا الخيار حتى يومه الأخير.
ولم تندثر سيرة وجهاد القائد الكبير، فقد قلدته كتائب القسام وسام المقاومة بصاروخ حمل اسمه (M75) دك عمق الكيان الصهيوني، خلال معركة حجارة السجيل والعصف المأكول.
المصدر : شهاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق